المسألة السابعة عشرة اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها خلافا لطائفة شاذة، فإنهم قالوا بجواز انعقاد الاجماع عن توفيق لا توقيف بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب من غير مستند.
وقد احتج النافون لذلك بمسالك:
المسلك الأول: إنهم قالوا مع فقد الدليل والمستند لا يجب الوصول إلى الحق، أي لا يلزم.
ولقائل أن يقول: متى لا يلزم ذلك، إذا لم تجمع الأمة على الحكم، أو إذا أجمعت؟ الأول مسلم، والثاني دعوى محل النزاع، فإنه ما المانع أنهم إذا اتفق إجماعهم، أن يوفقهم الله تعالى للصواب، ضرورة استحالة إجماعهم على الخطأ لما سبق في المسالك السمعية، والكلام إنما هو في جواز ذلك لا في وقوعه.
المسلك الثاني: إن الصحابة ليسوا بآكد حالا من النبي عليه السلام. ومعلوم أنه لا يقول ولا يحكم إلا عن وحي على ما نطق به النص، فالأمة أولى أن لا تقول إلا عن دليل.
ولقائل أن يقول: إذا دل الدليل على امتناع الخطأ على الرسول فيما يقول، وكذلك الأمة، فلو قال الرسول قولا. وحكم بحكم عن غير دليل، لما كان إلا حقا ضرورة استحالة الخطأ عليه، غير أنه امتنع منه الحكم والقول من غير دليل لقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * (53) النجم: 3 - 4) وأما الأمة فقد دل الدليل على استحالة الخطأ عليهم فيما أجمعوا عليه، ولم يدل على أنهم لا يحكمون إلا عن دليل، فافترقا.