فعلها للصوم في حالة الحيض حرام ومنهي عنه، فيمتنع أن يكون واجبا ومأمورا به، لما بينهما من التضاد الممتنع، إلا على القول بجواز التكليف بما لا يطاق.
فإن قيل: فلو لم يكن الصوم واجبا عليها، فلم وجب عليها قضاؤه.
قلنا: القضاء عندنا إنما يجب بأمر مجدد، فلا يستدعي أمرا سابقا، وإنما سمي قضاء لما فيه من استدراك مصلحة ما انعقد سبب وجوبه من الصوم، ولم يجب لمانع الحيض.
المسألة الخامسة في أن المكلف بالفعل أو الترك هل يعلم كونه مكلفا قبل التمكن من الامتثال، أم لا؟
والذي عليه إجماع الأصوليين أنه يعلم ذلك إذا كان المأمور والآمر له جاهلا لعاقبة أمره وأنه يتمكن بما كلف به أم لا، كأمر السيد لعبده بخياطة الثوب في الغد، ومحل الخلاف فيما إذا كان الآمر عالما بعاقبة الامر دون المأمور، كأمر الله تعالى بالصوم لزيد في الغد.
فأثبت ذلك القاضي أبو بكر، والجم الغفير من الأصوليين ونفاه المعتزلة.
احتج المثبتون بأن الامر بالطاعات، والنهي عن المعاصي متحقق مع جهل المكلف بعاقبة الامر، فكان ذلك معلوما، ويدل على تحققه إجماع الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين على أن كل بالغ عاقل مأمور بالطاعات منهي عن المعاصي قبل التمكن مما أمر به ونهي عنه، وأنه يعد متقربا بالعزم على فعل الطاعة وترك المعصية، وأنه يجب عليه الشروع في العبادات الخمس في أوقاتها بنية الفرض، وإن المانع له من ذلك بالحبس والصد عن فعلها آثم عاص بصده عن امتثال أمر الشارع.
وذلك كله مع عدم النهي، والامر محال.
وأيضا فإنه لو لم يكن الامر معلوما له في الحال، لتعذر قصد الامتثال في الواجبات المضيقة، لاستحالة العلم بتمام التمكن، إلا بعد انقضاء الوقت، وهو محال.