المسألة الثانية إذا فعل النبي عليه السلام فعلا، ولم يكن بيانا لخطاب سابق، ولا قام الدليل على أنه من خواصه، وعلمت لنا صفته من الوجوب أو الندب أو الإباحة، إما بنصه، عليه السلام، على ذلك وتعريفه لنا، أو بغير ذلك من الأدلة، فمعظم الأئمة من الفقهاء والمتكلمين متفقون على أننا متعبدون بالتأسي به في فعله، واجبا كان أو مندوبا أو مباحا.
ومنهم من منع من ذلك مطلقا، ومنهم من فصل، كأبي علي بن خلاد، وقال بالتأسي في العبادات دون غيرها.
والمختار إنما هو المذهب الجمهوري ودليله النص والاجماع.
أما النص، فقوله تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها، لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) * (33) الأحزاب: 37) ولولا أنه متأسي به في فعله ومتبعا، لما كان للآية معنى. وهذا من أقوى ما يستدل به هاهنا.
وأيضا قوله تعالى: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * (3) آل عمران: 31) ووجه الاستدلال به أنه جعل المتابعة له لازمة من محبة الله الواجبة، فلو لم تكن المتابعة له لازمة لزم من عدمها عدم المحبة الواجبة، وذلك حرام بالاجماع.
وأيضا قوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * (33) الأحزاب: 21) ووجه الاحتجاج به أنه جعل التأسي بالنبي عليه السلام، من لوازم رجاء الله تعالى واليوم الآخر. ويلزم من عدم التأسي عدم الملزوم، وهو الرجاء لله واليوم الآخر. وذلك كفر.
والمتابعة والتأسي في الفعل على ما بيناه في المقدمة هو أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل من أجل أنه فعل.