وأيضا فإن كل من رام تعليم غيره، إذا أراد المبالغة في إيصال معنى ما يقوله إلى فهمه، استعان في ذلك بالإشارة بيده، والتخطيط وتشكيل الاشكال، ولولا أن الفعل أدل لما كان كذلك.
قلنا: غاية ما ذكرتموه وجود البيان بالفعل، وكما وجد البيان بالفعل، فقد وجد بالقول أغلب من البيان بالفعل. فإن أكثر الاحكام مستندها إنما هو الأقوال دون الافعال، وغايته أنهما يتساويان في ذلك ويبقى ما ذكرناه من الترجيحات الأولى بحالها.
هذا كله إذا كان قوله خاصا به.
وأما إن كان قوله خاصا بنا دونه، فإما أن يعلم تقدم الفعل أو القول، أو يجهل التاريخ.
فإن علم تقدم الفعل، فالقول المتأخر يكون ناسخا للحكم في حقنا دونه، وإن كان القول هو المتقدم فالحكم في كون الفعل ناسخا لحكم القول في حقنا دون النبي فكما ذكرناه فيما إذا كان القول خاصا به.
وأما إن جهل التاريخ فالخلاف كالخلاف فيما إذا كان القول خاصا به، والمختار إنما هو العمل بالقول لما علم.
وأما إن كان القول عاما له ولنا، فأيهما تأخر كان ناسخا لحكم المتقدم في حقه وحقنا على ما ذكرناه من التفصيل في التعقيب والتراخي.
وإن جهل التاريخ، فالخلاف كالخلاف. والمختار كالمختار.
هذا كله فيما إذا دل الدليل على تكرر الفعل في حقه وعلى تأسي الأمة به.
وأما إن دل الدليل على تكرره في حقه دون تأسي الأمة به، فالقول إن كان خاصا بالأمة، فلا تعارض لعدم المزاحمة، بينهما.
وإن كان خاصا بالنبي، أو هو عام له، وللأمة، فالتعارض بين القول والفعل إنما يتحقق بالنسبة إليه، دون أمته، لعدم قيام الدليل على تأسي الأمة به في فعله، ولا يخفى الحكم، سواء تقدم الفعل أو تأخر، أو جهل التاريخ.