وعن الشبهة الأولى: من المعقول، فقد قيل في دفعها إن الاحتياط إنما يمكن أن يقال به إذا خلا عن احتمال الضرر قطعا، وفيما نحن فيه يحتمل أن يكون الفعل حراما على الأمة، وهو غير صحيح، فإنه لو غم الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، فإنه يحتمل أن يكون يوم الثلاثين منه يوم العيد، واحتمل أن لا يكون يوم العيد.
ومع ذلك يجب صومه احتياطا للواجب، وإن احتمل أن يكون حراما لكونه من يوم العيد.
والحق في ذلك أن يقال إنما يكون الاحتياط أولى لما ثبت وجوبه، كالصلاة الفائتة من صلوات يوم وليلة، أو كان الأصل وجوبه، كما في صوم يوم الثلاثين من رمضان، إذا كانت ليلته مغيمة.
وأما ما عساه أن يكون واجبا وغير واجب، فلا. وما نحن فيه كذلك، حيث لم يتحقق وجوب الفعل، ولا الأصل وجوبه.
وعن الشبهة الثانية: لا نسلم أن الاتيان بمثل ما يفعله العظيم يكون تعظيما له وأن تركه يكون إهانة له وحطا من قدره، بل ربما كان تعاطي الأدنى لمساواته الاعلى فعله حطا من منزلته، وغضا من منصبه. ولهذا، يقبح من العبد الجلوس على سرير سيده في مرتبته، والركوب على مركبه، ولو فعل ذلك، استحق اللوم والتوبيخ. ثم لو كانت متابعة النبي في أفعاله موجبة لتعظيمه، وترك المتابعة موجبة لاهانته، لوجب متابعته عندما إذا ترك بعض ما تعبدنا به من العبادات، ولم يعلم سبب تركه، وهو خلاف الاجماع.
وعن الشبهة الثالثة: إنه لا يلزم من كون الفعل بيانا للقول أن يكون موجبا لما يوجبه القول. فإن الخطاب القولي يستدعي وجوب الجواب، ولا كذلك الفعل.
وعن الشبهة الرابعة: أن فعل النبي عليه السلام، وإن كان حقا وصوابا بالنسبة إليه، فلا يلزم أن يكون حقا وصوابا بالنسبة إلى أمته. إلا أن يكون فعله مما يوجب مشاركتهم له في ذلك الفعل. وهو محل النزاع.