عن ذلك الشخص. وإلا لما ساغ السكوت حتى لا يتوهم أنه منسوخ عنه، فيقع في المحذور، وفيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز بالاجماع، إلا على رأي من يجوز التكليف بما لا يطاق.
وأما، إن لم يكن النبي عليه السلام قد سبق منه النهي عن ذلك الفعل، ولا عرف تحريمه، فسكوته عن فاعله وتقريره له عليه ولا سيما إن وجد منه استبشار وثناء على الفاعل، فإنه يدل على جوازه ورفع الحرج عنه، وذلك لأنه لو لم يكن فعلا جائزا لكان تقريره له عليه، مع القدرة على إنكاره، وكان استبشاره وثناؤه عليه حراما على النبي عليه السلام. وهو وإن كان من الصغائر الجائزة على النبي، عليه السلام، عند قوم، إلا أنه في غاية البعد، لا سيما فيما يتعلق ببيان الأحكام الشرعية . وإذا كان كذلك، فالانكار هو الغالب. فحيث لم يوجد ذلك منه دل على الجواز غالبا.
فإن قيل: يحتمل أنه لم ينكر عليه: إما لعلمه بأنه لم يبلغه التحريم، فلم يكن الفعل عليه حراما إذ ذاك، أو لأنه علم بلوغ التحريم إليه، ولم ينجع فيه وأصر على ما هو عليه، أو لأنه منعه مانع من الانكار.
قلنا: عدم بلوغ التحريم إليه غير مانع من الانكار والاعلام بأن ذلك الفعل حرام بل الاعلام بالتحريم واجب، حتى لا يعود إليه ثانيا، وإلا كان السكوت مما يوهم: إما عدم دخوله في عموم التحريم، أو النسخ. وأما، إذا علم ذلك الشخص التحريم، وأصر على فعله مع كونه مسلما متبعا للنبي عليه السلام، فلا بد من تجديد الانكار، حتى لا يتوهم نسخه. ولا يلزم على هذا تجديد الانكار على اختلاف أهل الذمة إلى كنائسهم، إذ هم غير متبعين له، ولا يعتقدون تحريم ذلك، حتى يقال: يتوهم نسخ ذلك بسكوت النبي، عليه السلام، عن الانكار عليهم.
وما ذكروه من احتمال المانع، وإن كان قائما عقلا، غير أن الأصل عدمه، وهو في غاية البعد، ولا سيما بعد ظهور شوكته واستيلائه وقهره لمن سواه.