فإن دل الدليل على تكرره في حقه، وعلى تأسي الأمة به، فلا يخلو قوله، إما أن يكون خاصا به، أو بنا، أو هو عام له ولنا: فإن كان قوله خاصا به، فإما أن يعلم تقدم الفعل أو القول أو يجهل التاريخ: فإن علم تقدم، فالقول المتأخر يكون ناسخا لحكم الفعل في حقه في المستقبل، دون أمته لعدم تناول القول لهم.
وإن كان القول هو المتقدم، ففعله يكون ناسخا لحكم القول في حقه، أن كان بعد التمكن من الامتثال أو قبله، على رأي من يجوزه، وموجبا للفعل على أمته.
وأما إن جهل التاريخ، فلا معارضة بين فعله وقوله بالنسبة إلى الأمة لعدم تناول قوله لهم.
وأما بالنسبة إليه، فقد اختلف فيه: فمنهم من قال بوجوب العمل بالقول، ومنهم من قال بالعكس، ومنهم من أوجب المعارضة والوقف إلى حين قيام دليل التاريخ.
والمختار إنما هو العمل بالقول لوجوه أربعة:
الأول: أن القول يدل بنفسه من غير واسطة. والفعل إنما يدل على الجواز بواسطة أن النبي عليه السلام لا يفعل المحرم، وذلك مما يتوقف على الدلائل الغامضة البعيدة.
الثاني: أن القول مما يمكن التعبير به عما ليس بمحسوس، كالمعقولات الصرفة، وعن المحسوس، والفعل لا ينبئ عن غير محسوس، فكانت دلالة القول أقوى وأتم.
الثالث: أن القول قابل للتأكيد بقول آخر، ولا كذلك الفعل. القول. فكان القول لذلك أولى.
الرابع: أن العمل بالقول ههنا مما يفضي إلى نسخ مقتضى الفعل في حق النبي عليه السلام دون الأمة. والعمل بالفعل يفضي إلى إبطال مقتضى القول بالكلية، فكان الجمع بينهما، ولو من وجه، أولى.
فإن قيل: بل الفعل آكد في الدلالة، فإنه يبين به القول، والمبين للشئ آكد في الدلالة من ذلك الشئ.
وبيانه أن جبريل عليه السلام، بين للنبي عليه السلام كيفية الصلاة المأمور بها، وبين مواقيتها حيث صلى به في اليومين، وقال: يا محمد، الوقت ما بين هذين والنبي، عليه السلام، بين الصلاة للأمة بفعله، حيث قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وبين المراد من قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (3) آل عمران: 97) بفعله حيث قال: خذوا عني مناسككم وقال للذي سأله عن مواقيت الصلاة: صل معنا وبين الشهر بأصابعه حيث قال: إنما الشهر هكذا وهكذا