العلم بما تضمناه والقياس الشرعي لا يفضي إلى العلم بموجبه وإنما هو غالب ظن فغير جائز رفع ما أوجب العلم بما لا يوجبه وقد بينا ذلك فيما سلف من القول في تخصيص النص بالقياس فإن قال قائل يلزمك على هذا ألا تزيل الإباحة الثابتة في الأصل من غير جهة الشرع بالقياس وخبر الواحد لأن ثبوتها من طريق الدلائل العقلية الموجبة للعلم قيل له هذا غلط من قبل أن العقل وإن دل على إباحة أشياء في الجملة فإنا متى قصدنا إلى استباحة شئ منها بعينه فإنما نستبيحه من طريق الاجتهاد وغالب الظن ألا ترى أنه لو غلب في ظننا أن علينا في تناوله ضررا أكثر مما نرجو من نفعه لم يجز لنا تناوله وهذا الضرب من الاستباحة طريقه غلبة الظن لا حقيقة العلم لأن الإباحة لما كانت معقودة بألا يلحقنا ضرر أكثر مما نرجو من نفعه وكان هذا المعنى موقوفا على غلبة الظن بطل قول القائل أن استباحة هذه الأشياء في الجملة من طريق يوجب العلم وهذا نظير ما نقول إنه قد ثبت من طريق يوجب العلم قبول شهادة شاهدين عدلين في الديون بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ثم إذا أردنا قبول شهادة شاهدين بأعيانهما كان طريق قبولهما الاجتهاد وغلبة الظن لا من جهة تفضي إلى العلم بصحة مقالتهما فكذلك ما وصفنا وأيضا فإن النسخ لما كان بيانا لمقدار مدة الحكم وكان لا سبيل إلى إثبات المقادير من طريق المقاييس كتوقيت مقدار فرض الصوم وركعات الظهر لم يجز إثبات النسخ بالقياس لما فيه من تقدير مدة الفرض
(٣١٨)