وإذا قيل بالمبنى الثالث مثلا فالعلم الاجمالي يخرج الواقع المعلوم بتمام حدوده عن موضوع البراءة العقلية ويكون منجزا بالعلم وحيث إنه محتمل في كل طرف فيحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية للخروج عن عهدة التكليف المنجز.
ولكن الصحيح هو ان المبني الثالث لا يختلف في النتيجة المقصودة في المقام عن المبنى الأول، لان الصورة العلمية الاجمالية - على الثالث - وان كانت مطابقة للواقع بحده ولكن المفروض على هذا المبنى اندماج عنصري الوضوح والاجمال في تلك الصورة معا وبذلك تميزت عن الصورة التفصيلية، وما ينكشف ويتضح للعالم انما هو المقدار الموازي لعنصر الوضوح في الصورة وهذا لا يزيد على الجامع ومن الواضح ان البراءة العقلية انما يرتفع موضوعها بمقدار ما يوازي جانب الوضوح لا الاجمال لان الاجمال ليس بيانا، وعليه فالمنجز مقدار الجامع لا أكثر على جميع المباني المتقدمة وعليه فالعلم الاجمالي لا يقتضي بذاته وجوب الموافقة القطعية.
ويوجد تقريبان لاثبات ان العلم الاجمالي يستتبع وجوب الموافقة القطعية:
الأول: - ما قد يظهر من بعض كلمات المحقق الأصفهاني وحاصله مركب من مقدمتين:
الأولى: - ان ترك الموافقة القطعية بمخالفة أحد الطرفين يعتبر مخالفة احتمالية للجامع لان الجامع ان كان موجودا ضمن ذلك الطرف فقد خولف وإلا فلا.
والثانية: ان المخالفة الاحتمالية للتكليف المنجز غير جائزة عقلا لأنها مساوقة لاحتمال المعصية وحيث إن الجامع منجز بالعلم الاجمالي فلا تجوز مخالفته الاحتمالية.
ويندفع هذا التقريب بمنع المقدمة الأولى فان الجامع إذا لوحظ فيه مقدار الجامع بحده فقط لم تكن مخالفة أحد الطرفين مع موافقة الطرف