وهكذا نعرف ان التعارض المصطلح يقوم دائما بين الأدلة المحرزة.
ثم إن الدليلين المحرزين إذا كانا قطعيين فلا يعقل التعارض بينهما، لأنه يؤدي إلى القطع بوقوع المتنافيين، وكذلك لا يتحقق التعارض بين دليل قطعي ودليل ظني، لان الدليل القطعي يوجب العلم ببطلان مفاد الدليل الظني وزوال كاشفيته فلا يكون دليلا وحجة لاستحالة الدليلية والحجية لما يعلم ببطلانه.
وانما يتحقق التعارض بين دليلين ظنيين، وهذان الدليلان اما ان يكونا دليلين لفظيين أو غير لفظيين أو مختلفين من هذه الناحية.
فان كانا دليلين لفظيين - اي كلامين للشارع - فالتعارض بينهما على قسمين:
أحدهما: - التعارض غير المستقر وهو التعارض الذي يمكن علاجه بتعديل دلالة أحد الدليلين وتأويلها بنحو ينسجم مع الدليل الآخر.
والآخر: - التعارض المستقر الذي لا يمكن فيه العلاج، ففي حالات التعارض المستقر يسري التعارض إلى دليل الحجية، لان ثبوت الحجية لكل منهما كما لو لم يكن معارضا، يؤدي إلى اثبات كل منهما ونفيه في وقت واحد نظرا إلى أن كلا منهما يثبت مفاد نفسه وينفي مفاد الآخر، ويبرهن ذلك على استحالة ثبوت الحجيتين على نحو ثبوتهما في غير حالات التعارض، وهذا معنى سراية التعارض إلى دليل الحجية لوقوع التنافي في مدلوله.
واما في حالات التعارض غير المستقر فيعالج التعارض بالتعديل المناسب في دلالة أحدهما أو كليهما، معه لا يسري التعارض إلى دليل الحجية إذ لا يبقى محذور في حجيتهما معا بعد التعديل.
ولكن هذا التعديل لا يجري جزافا، وانما يقوم على أساس قواعد الجمع العرفي التي مردها جميعا إلى أن المولى يفسر بعض كلامه بعضا، فإذا كان