الأمارة مجعولة على نحو " السببية " إذ عجزوا عن تصحيح جعل الأمارة على نحو " الطريقية " التي هي الأصل في الأمارة، على ما سيأتي من شرح ذلك قريبا.
والحق معهم إذا نحن عجزنا عن تصحيح جعل الأمارة على نحو الطريقية، لأن المفروض أن الأمارة قد ثبتت حجيتها قطعا فلابد أن يفرض - حينئذ - في قيام الأمارة أو في اتباعها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع على تقدير خطأها حتى لا يكون إذن الشارع بتفويت الواقع قبيحا، ما دام أن تفويته له يكون لمصلحة أقوى وأجدى أو مساوية لمصلحة الواقع، فينشأ على طبق مؤدى الأمارة حكم ظاهري بعنوان أنه الواقع، إما أن يكون مماثلا للواقع عند الإصابة أو مخالفا له عند الخطأ.
ونحن - بحمد الله تعالى - نرى أن الشبهة يمكن دفعها على تقدير الطريقية، فلا حاجة إلى فرض السببية.
والوجه في دفع الشبهة: أنه بعد أن فرضنا أن القطع قام على أن الأمارة الكذائية - كخبر الواحد - حجة يجوز اتباعها مع التمكن من تحصيل العلم، فلابد أن يكون الإذن من الشارع العالم بالحقائق الواقعية لأمر علم به وغاب عنا علمه. ولا يخرج هذا الأمر عن أحد شيئين لا ثالث لهما، وكل منهما جائز عقلا لا مانع منه:
1 - أن يكون قد علم بأن إصابة الأمارة للواقع مساوية لإصابة العلوم التي تتفق للمكلفين أو أكثر منها، بمعنى أن العلوم التي يتمكن المكلفون من تحصيلها يعلم الشارع بأن خطأها سيكون مساويا لخطأ الأمارة المجعولة أو أكثر خطأ منها.