ومن هنا كان هذا الأمر موضع حيرة الأصوليين وبحثهم، إذ للسائل - كما سيأتي - أن يسأل: كيف جاز أن تفرضوا صحة الرجوع إلى الأمارات الظنية مع انفتاح باب العلم بالأحكام؟ إذ قد يوجب سلوكها تفويت الواقع عند خطأها، ولا يحسن من الشارع أن يأذن بتفويت الواقع مع التمكن من تحصيله، بل ذلك قبيح يستحيل في حقه.
ولأجل هذا السؤال المحرج سلك الأصوليون عدة طرق للجواب عنه وتصحيح جعل حجية الأمارات. وسيأتي بيان هذه الطرق والصحيح منها في البحث 12 ص 40.
وغرضنا من ذكر هذا التنبيه هو أن هذا التصحيح شاهد على ما أردنا الإشارة إليه هنا: من أن موطن حجية الأمارات وموردها ما هو أعم من فرض التمكن من تحصيل العلم وانفتاح بابه ومن فرض انسداد بابه.
ومن هنا نعرف وجه المناقشة في استدلال بعضهم على حجية خبر الواحد بالخصوص بدليل انسداد باب العلم، كما صنع صاحب المعالم (1) فإنه لما كان المقصود إثبات حجية خبر الواحد في نفسه حتى مع فرض انفتاح باب العلم لا يبقى معنى للاستدلال على حجيته بدليل الانسداد.
على أن دليل الانسداد إنما يثبت فيه حجية مطلق الظن من حيث هو ظن - كما سيأتي بيانه - فلا يثبت به حجية ظن خاص بما هو ظن خاص.
نعم، استدل بعضهم على حجية خبر الواحد بدليل الانسداد الصغير (2).
ولا يبعد صحة ذلك. ويعنون به انسداد باب العلم في خصوص الأخبار