وهذه اللابدية لابدية عقلية (1) منشؤها إن القطع بنفسه طريق إلى الواقع. وعليه، فيرجع التعبير بوجوب متابعة القطع إلى معنى كون القطع بنفسه طريقا إلى الواقع وأن نفسه نفس انكشاف الواقع. فالجهتان في جهة واحدة في الحقيقة.
وهذا هو السر في تعليل الشيخ الأعظم (رحمه الله) لوجوب متابعته بكونه طريقا بذاته (2) ولم يتعرض في التعليل لنفس الوجوب. ومن أجل هذا ركز البحث كله على طريقيته الذاتية.
ويظهر لنا حينئذ أنه لا معنى لأن يقال في تعليل حجيته الذاتية: أن وجوب متابعته أمر ذاتي له.
وإذا اتضح ما تقدم، وجب علينا توضيح معنى كون القطع طريقا ذاتيا، وهو كل البحث عن حجية القطع وما وراءه من الكلام فكله فضول.
وعليه، فنقول:
تقدم أن القطع حقيقته انكشاف الواقع، لأ أنه حقيقة نورية محضة لا غطش فيها ولا احتمال للخطأ يرافقها. فالعلم نور لذاته نور لغيره، فذاته نفس الانكشاف، لا أنه شئ له الانكشاف.
وقد عرفتم في مباحث الفلسفة: أن الذات والذاتي يستحيل جعله بالجعل التأليفي، لأن جعل شئ لشئ إنما يصح أن يفرض فيما يمكن فيه التفكيك بين المجعول والمجعول له، وواضح أنه يستحيل التفكيك بين الشئ وذاته - أي بين الشئ ونفسه - ولا بينه وبين ذاتياته.