الذي قام على اعتبار ذلك السبب للظن. وسيأتي أن القطع حجة بذاته لا يحتاج إلى جعل من أحد.
ومن هنا يظهر الجواب عما شنع به جماعة من الأخباريين على الأصوليين من أخذهم ببعض الأمارات الظنية الخاصة - كخبر الواحد ونحوه - إذ شنعوا عليهم بأنهم أخذوا بالظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
وقد فاتهم أن الأصوليين إذ أخذوا بالظنون الخاصة لم يأخذوا بها من جهة أنها ظنون فقط، بل أخذوا بها من جهة أنها معلومة الاعتبار على سبيل القطع بحجيتها، فكان أخذهم بها في الحقيقة أخذا بالقطع واليقين، لا بالظن والخرص والتخمين.
ولأجل هذا سميت الأمارات المعتبرة ب " الطرق العلمية " نسبة إلى العلم القائم على اعتبارها وحجيتها، لأن حجيتها ثابتة بالعلم.
إلى هنا يتضح ما أردنا أن نرمي إليه، وهو أن المناط في إثبات حجية الأمارات ومرجع اعتبارها وقوامه ما هو؟
إنه " العلم القائم على اعتبارها وحجيتها " فإذا لم يحصل العلم بحجيتها واليقين بإذن الشارع بالتعويل عليها والأخذ بها لا يجوز الأخذ بها وإن أفادت ظنا غالبا، لأن الأخذ بها يكون حينئذ خرصا وافتراء على الله تعالى.
ولأجل هذا قالوا: يكفي في طرح الأمارة أن يقع الشك في اعتبارها، أو فقل على الأصح: يكفي ألا يحصل العلم باعتبارها، فإن نفس عدم العلم بذلك كاف في حصول العلم بعدم اعتبارها، أي بعدم جواز التعويل عليها والاستناد إليها. وذلك كالقياس والاستحسان وما إليهما وإن أفادت ظنا قويا.