وإنما صح أن يسأل هذا السؤال فمن (1) أجل قياسه على الظن حينما نقول: إنه حجة، فإن فيه جهتين:
1 - جهة طريقيته للواقع، فحينما نقول: إن حجيته مجعولة، نقصد أن طريقيته مجعولة، لأ نهى ليست ذاتية له، لوجود احتمال الخلاف. فالشارع يجعله طريقا إلى الواقع بإلغاء احتمال الخلاف كأنه لم يكن، فتتم بذلك طريقيته الناقصة ليكون كالقطع في الإيصال إلى الواقع. وهذا المعنى هو المجعول للشارع.
2 - جهة وجوب متابعته، فحينما نقول: إنه حجة، نقصد أن الشارع أمر بوجوب متابعة ذلك الظن والأخذ به أمرا مولويا، فينتزع من هذا الأمر أن هذا الظن موصل إلى الواقع ومنجز له. فيكون المجعول هذا الوجوب، ويكون هذا معنى حجية الظن.
وإذا كان هذا حال الظن، فالقطع ينبغي أن يكون له أيضا هاتان الجهتان، فنلاحظهما حينما نقول مثلا: " إن حجيته ذاتية " إما من جهة كونه طريقا بذاته، وإما من جهة وجوب متابعة لذاته.
ولكن - في الحقيقة - إن التعبير بوجوب متابعة القطع لا يخلو عن مسامحة ظاهرة، منشؤها ضيق العبارة عن المقصود إذ يقاس على الظن.
والسر في ذلك واضح، لأ أنه ليس للقطع متابعة مستقلة غير الأخذ بالواقع المقطوع به، فضلا عن أن يكون لهذه المتابعة وجوب مستقل غير نفس وجوب الأخذ بالواقع المقطوع به، أي وجوب طاعة الواقع المنكشف بالقطع من وجوب أو حرمة أو نحوهما. إذ ليس وراء انكشاف الواقع شئ ينتظره الإنسان، فإذا انكشف الواقع له فلابد أن يأخذ به.