قد ظهر مما سبق معنى كون الشئ حجيته ذاتية، فإن معناه: أن حجيته منبعثة من نفس طبيعة ذاته، فليست مستفادة من الغير ولا تحتاج إلى جعل من الشارع ولا إلى صدور أمر منه باتباعه، بل العقل هو الذي يكون حاكما بوجوب اتباع ذلك الشئ.
وما هذا شأنه ليس هو إلا العلم.
ولقد أحسن الشيخ العظيم الأنصاري (قدس سره) مجلي هذه الأبحاث في تعليل وجوب متابعة القطع (1) فإنه بعد أن ذكر أنه " لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا " علل ذلك بقوله: " لأ أنه بنفسه طريق إلى الواقع، وليست طريقيته قابلة لجعل الشارع إثباتا أو نفيا " (2).
وهذا الكلام فيه شئ من الغموض بعد أن اختلفت تعبيرات الأصوليين من بعده، فنقول لبيانه: إن هنا شيئين أو تعبيرين:
أحدهما: وجوب متابعة القطع والأخذ به.
ثانيهما: طريقية القطع للواقع.
فما المراد من كون القطع حجة بذاته؟
هل المراد أن وجوب متابعته أمر ذاتي له - كما وقع في تعبيرات بعض الأصوليين المتأخرين (3) - أم أن المراد أن طريقيته ذاتية؟