الحكم من كونه خاصا بالمعلل إلى كون موضوعه " كل ما فيه العلة " فيكون الموضوع عاما يشمل المعلل (الأصل) وغيره، ويكون المعلل من قبيل المثال للقاعدة العامة، لا أن موضوع الحكم هو خصوص المعلل (الأصل) ونستنبط منه الحكم في الفرع من جهة العلة المشتركة حتى يكون المدرك مجرد الحمل والقياس كما في الصورة الثانية، أي التي لم يفهم فيها عموم العلة.
ولأجل هذا نقول: إن الأخذ بالحكم في الفرع في الصورة الأولى يكون من باب الأخذ بظاهر العموم، وليس هو من القياس في شئ ليكون القول بحجية التعليل استثناء من عمومات النهي عن القياس.
مثال ذلك: قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن بزيع: " ماء البئر واسع لا يفسده شئ... لأن له مادة " فإن المفهوم منه - أي الظاهر منه - أن كل ماء له مادة واسع لا يفسده شئ، وأما ماء البئر فإنما هو أحد مصاديق الموضوع العام للقاعدة، فيشمل الموضوع بعمومه كلا: من ماء البئر، وماء الحمام، وماء العيون، وماء حنفية الإسالة... وغيرها، فالأخذ بهذا الحكم وتطبيقه على هذه الأمور غير ماء البئر ليس أخذا بالقياس، بل هو أخذ بظهور العموم، والظهور حجة.
هذا، وفي عين الوقت لما كنا لا نستظهر من هذه الرواية شمول العلة (لأن له مادة) لكل ما له مادة وإن لم يكن ماء مطلقا، فإن الحكم - وهو الاعتصام من التنجس - لا نعديه إلى الماء المضاف الذي له مادة إلا بالقياس، وهو ليس بحجة.
ومن هنا يتضح الفرق بين الأخذ بالعموم في منصوص العلة والأخذ بالقياس، فلابد من التفرقة بينهما في كل علة منصوصة لئلا يقع الخلط بينهما. ومن أجل هذا الخلط بينهما يكثر العثار في تعرف الموضوع للحكم.