لا يدل على الإقرار إلا من المعصوم بشروط الإقرار. والسر في ذلك: أن السكوت في حد ذاته مجمل، فيه عند غير المعصوم أكثر من وجه واحد واحتمال، إذ قد ينشأ من الخوف، أو الجبن، أو الخجل، أو المداهنة، أو عدم العناية ببيان الحق، أو الجهل بالحكم الشرعي أو وجهه، أو عدم وصول نبأ الفتيا إليهم... إلى ما شاء الله من هذه الاحتمالات التي لا دافع لها بالنسبة إلى غير المعصوم. وقد يجتمع في شخص واحد أكثر من سبب واحد للسكوت عن الحق. ومن الاحتمالات أيضا أن يكون قد أنكر بعض الناس ولكن لم يصل نبأ الإنكار إلينا. ودواعي إخفاء الإنكار وخفائه كثيرة لاتحد ولا تحصر.
وأما ثالثا: فإن سكوت الباقين غير مسلم. ويكفي لإبطال الإجماع إنكار شخص واحد له شأن في الفتيا، إذ لا يتحقق معه اتفاق الجميع، فكيف إذا كان المنكرون أكثر من واحد! وقد ثبت تخطئة القول بالرأي عن ابن عباس وابن مسعود وأضرابهما، بل روي ذلك حتى عن عمر بن الخطاب (1): " إياكم وأصحاب الرأي! فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا " وإن كنت أظن أن هذه الرواية موضوعة عليه، لثبوت أنه في مقدمة أصحاب الرأي، مع أن أسلوب بيان الرواية بعيد عن النسبة إليه وإلى عصره.
وعلى كل حال، لا شئ أبلغ في الإنكار من المجاهرة بالخلاف والفتوى بالضد، وهذا قد كان من جماعة كما قلنا، بل زاد بعضهم كابن عباس وابن مسعود أن انتهى إلى ذكر المباهلة والتخويف من الله تعالى.
وهل شئ أبلغ في الإنكار من هذا؟ فأين الإجماع؟