وفي الحقيقة إنما تطور البحث عن الاجتهاد بالرأي في تنويعه وخصائصه في القرن الثاني والثالث - كما سبق بيانه - فميزوا بين القياس والاستحسان والمصالح المرسلة.
ومن الاجتهادات قول عمر بن الخطاب: " متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا محرمهما ومعاقب عليهما " (1). ومنها: جمعه الناس لصلاة التراويح (2). ومنها: إلغاؤه في الأذان " حي على خير العمل " (3). فهل كان ذلك من القياس أو من الاستحسان المحض؟
لا ينبغي أن يشك أن مثل هذه الاجتهادات ليست من القياس في شئ. وكذلك كثير من الاجتهادات عندهم.
وعليه فابن حزم على حق إذا كان يقصد إنكار أن يكون القياس سابقا معروفا بحدوده في اجتهادات الصحابة، حينما قال في كتابه (إبطال القياس ص 5): " ثم حدث القياس في القرن الثاني فقال به بعضهم وأنكره سائرهم وتبرأوا منه " وقال في كتابه (الإحكام 7 / 177): " إنه بدعة حدث في القرن الثاني ثم فشا وظهر في القرن الثالث ". أما إذا أراد إنكار أصل الاجتهادات بالرأي من بعض الصحابة - وهو لا يريد ذلك قطعا - فهو انكار لأمر ضروري متواتر عنهم.
وقد ذكر الغزالي في كتابه (المستصفى 2 / 58 - 62) كثيرا من مواضع اجتهادات الصحابة برأيهم، ولكن لم يستطع أن يثبت أنها على نحو القياس إلا لأ أنه لم ير وجها لتصحيحها إلا بالقياس وتعليل النص.
وليس هو منه إلا من باب حسن الظن، لا أكثر. وأكثرها لا يصح تطبيقها على القياس.