وعلى كل حال، فالشأن كل الشأن في تحقيق إجماع الأمة والصحابة على الأخذ بالقياس ونحن نمنعه أشد المنع.
أما أولا: فلما قلناه قريبا أنه لم يثبت أن اجتهاداتهم كانت من نوع القياس بل في بعضها ثبت عكس ذلك، كاجتهادات عمر بن الخطاب - المتقدمة - ومثلها اجتهاد عثمان في حرق المصاحف، ونحو ذلك.
وأما ثانيا: فإن استعمال بعضهم للرأي - سواء كان مبنيا على القياس أم على غيره - لا يكشف عن موافقة الجميع، كما قال ابن حزم (1) فأنصف:
أين وجدتم هذا الاجماع؟ وقد علمتم أن الصحابة ألوف لا تحفظ الفتيا عنهم في أشخاص المسائل إلا عن مائة ونيف وثلاثين نفرا: منهم سبعة مكثرون، وثلاثة عشر نفسا متوسطون، والباقون مقلون جدا تروى عنهم المسألة والمسألتان. حاشا المسائل التي تيقن إجماعهم عليها (2) كالصلوات وصوم رمضان - فأين الإجماع على القول بالرأي؟
والغرض الذي نرمي إليه أنه لا ينكر ثبوت الاجتهاد بالرأي عند جملة من الصحابة: كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت - بل ربما من غيرهم - وإنما الذي ينكر أن يكون ذلك بمجرده محققا لإجماع الأمة أو الصحابة. واتفاق الثلاثة أو العشرة بل العشرين ليس إجماعا مهما كانوا.
نعم، أقصى ما يقال في هذا الصدد: إن الباقين سكتوا وسكوتهم إقرار، فيتحقق الإجماع.
ولكن يجاب عن ذلك: أن السكوت لا نسلم أنه يحقق الإجماع، لأ أنه