حرمة الربا في البر: إما أن تكون معللة بالطعم، أو بالقوت، أو بالكيل.
والكل باطل ما عدا الكيل، فيتعين التعليل به.
أقول: من شرط برهان السبر والتقسيم ليكون برهانا حقيقيا أن تحصر المحتملات حصرا عقليا من طريق القسمة الثنائية التي تتردد بين النفي والإثبات. وما يذكر من الاحتمالات في تعليل الحكم الشرعي لا تعدو أن تكون احتمالات استطاع القايس أن يحتملها ولم يحتمل غيرها، لا أنها مبنية على الحصر العقلي المردد بين النفي والإثبات.
وإذا كان الأمر كذلك فكل ما يفرضه من الاحتمالات يجوز أن يكون وراءها احتمالات لم يتصورها أصلا ومن الاحتمالات: أن تكون العلة اجتماع محتملين أو أكثر مما احتمله القايس. ومن الاحتمالات: أن يكون ملاك الحكم شيئا آخر خارجا عن أوصاف المقيس عليه لا يمكن أن يهتدي إليه القايس، مثل التعليل في قوله تعالى (سورة النساء 160):
* (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * فإن الظاهر من الآية أن العلة في تحريم الطيبات عصيانهم، لا أوصاف تلك الأشياء.
بل من الاحتمالات عند هذا القايس الذي لا يرى تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد أن الحكم لا ملاك ولا علة له، فكيف يمكن أن يدعى حصر العلل فيما احتمله وقد لا تكون له علة؟
وعلى كل حال، فلا يمكن أن يستنتج من مثل السبر والتقسيم هنا أكثر من الاحتمال. وإذا تنزلنا فأكثر ما يحصل منه الظن.
فرجع الأمر بالأخير إلى الظن وأن الظن لا يغني من الحق شيئا.
وفي الحقيقة أن القائلين بالقياس لا يدعون إفادته العلم، بل أقصى ما يتوقعونه إفادته للظن، غير أنهم يرون أن مثل هذا الظن حجة. وفي البحث الآتي نبحث عن أدلة حجيته.