غير أنه إذا علمنا - بطريقة من الطرق - أن جهة المشابهة علة تامة لثبوت الحكم في الأصل عند الشارع، ثم علمنا أيضا بأن هذه العلة التامة موجودة بخصوصياتها في الفرع، فإنه لا محالة يحصل لنا - على نحو اليقين - استنباط أن مثل هذا الحكم ثابت في الفرع كثبوته في الأصل، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة. ويكون من القياس المنطقي البرهاني الذي يفيد اليقين.
ولكن الشأن كل الشأن في حصول الطريق لنا إلى العلم بأن الجامع علة تامة للحكم الشرعي. وقد سبق ص 134 من هذا الجزء أن ملاكات الأحكام لا مسرح للعقول أو لا مجال للنظر العقلي فيها، فلا تعلم إلا من طريق السماع من مبلغ الأحكام الذي نصبه الله تعالى مبلغا وهاديا.
والغرض من " كون الملاكات لا مسرح للعقول فيها " أن أصل تعليل الحكم بالملاك لا يعرف إلا من طريق السماع، لأ أنه أمر توقيفي. أما نفس وجود الملاك في ذاته فقد يعرف من طريق الحس ونحوه، لكن لا بما هو علة وملاك، كالإسكار، فإن كونه علة للتحريم في الخمر لا يمكن معرفته من غير طريق التبليغ بالأدلة السمعية. أما وجود الإسكار في الخمر وغيره من المسكرات فأمر يعرف بالوجدان، ولكن لا ربط لذلك بمعرفة كونه هو الملاك في التحريم، فإنه ليس هذا من الوجدانيات.
وعلى كل حال، فان السر في أن الأحكام وملاكاتها لا مسرح للعقول في معرفتها واضح، لأ نهى أمور توقيفية من وضع الشارع - كاللغات والعلامات والإشارات التي لا تعرف إلا من قبل واضعيها - ولا تدرك بالنظر العقلي إلا من طريق الملازمات العقلية القطعية التي تكلمنا عنها فيما تقدم في بحث الملازمات العقلية في الجزء الثاني، وفي دليل العقل