وفيه: أن الاعتبار هو الاتعاظ لغة، وهو الأنسب بمعنى الآية الواردة في الذين كفروا من أهل الكتاب، إذ قذف الله في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. وأين هي من القياس الذي نحن فيه؟
وقال ابن حزم في كتابه (إبطال القياس ص 30): ومحال أن يقول لنا:
" فاعتبروا يا اولي الأبصار " ويريد القياس، ثم لا يبين لنا في القرآن ولا في الحديث: أي شئ نقيس؟ ولا متى نقيس؟ ولا على أي نقيس؟ ولو وجدنا ذلك لوجب أن نقيس ما امرنا بقياسه حيث امرنا، وحرم علينا أن نقيس ما لا نص فيه جملة، ولا نتعدى حدوده.
ومنها: قوله تعالى (يس 78 - 79): * (قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * باعتبار أن الآية تدل على مساواة النظير للنظير، بل هي استدلال بالقياس لإفحام من ينكر إحياء العظام وهي رميم. ولولا أن القياس حجة لما صح الاستدلال فيها.
وفيه: أن الآية لا تدل على هذه المساواة بين النظيرين كنظيرين في أية جهة كانت، كما أنها ليست استدلالا بالقياس، وإنما جاءت لرفع استغراب المنكرين للبعث، إذ يتخيلون العجز عن إحياء الرميم، فأرادت الآية أن تثبت الملازمة بين القدرة على إنشاء العظام وإيجادها لأول مرة - بلا سابق وجود - وبين القدرة على إحيائها من جديد، بل القدرة على الثاني أولى، وإذا ثبتت الملازمة والمفروض أن الملزوم (وهو القدرة على إنشائها أول مرة) موجود مسلم، فلابد أن يثبت اللازم (وهو القدرة على إحيائها وهي رميم). وأين هذا من القياس؟
ولو صح أن يراد من الآية القياس فهو نوع من قياس الأولوية المقطوعة، وأين هذا من قياس المساواة المطلوب إثبات حجيته، وهو الذي يبتني على ظن المساواة في العلة؟