وأما إن ثبت لدينا: أن المناط في صحة التعبد بالخبر أن يكون حاكيا عن الحكم من طريق الحس، أي يجب أن يكون الناقل قد سمع بنفسه الحكم من المعصوم - ولذا لا تشمل أدلة حجية الخبر فتوى المجتهد وإن كان قاطعا بالحكم، مع أن فتواه في الحقيقة حكاية عن الحكم بحسب اجتهاده - فالإجماع المنقول الذي هو موضع البحث ليس بحجة مطلقا.
وأما لو ثبت أن الإخبار عن حدس اللازم للإخبار عن حس يصح التعبد به - لأن حكمه حكم الإخبار عن حس بلا فرق - فإن التفصيل المتقدم في القول الثالث يكون هو الأحق.
وإذا اتضح لدينا سر الخلاف في المسألة، بقي علينا أن نفهم أي وجه من الوجوه المتقدمة هو الأولى بالتصديق والأحق بالاعتماد، فنقول:
أولا: إن أدلة خبر الواحد جميعها - من آيات وروايات وبناء عقلاء - أقصى دلالتها أنها تدل على وجوب تصديق الثقة وتصويبه في نقله لغرض التعبد بما ينقل، ولكنها لا تدل على تصويبه في اعتقاده.
بيان ذلك: أن معنى تصديق الثقة: هو البناء على واقعية نقله، وواقعية النقل تستلزم واقعية المنقول، بل واقعية النقل عين واقعية المنقول، فالقطع بواقعية النقل لا محالة يستلزم القطع بواقعية المنقول، وكذلك البناء على واقعية النقل يستلزم البناء على واقعية المنقول.
وعليه، فإذا كان المنقول حكما أو ذا أثر شرعي صح البناء على الخبر والتعبد به بالنظر إلى هذا المنقول. أما إذا كان المنقول اعتقاد الناقل - كما لو أخبر شخص عن اعتقاده بحكم - فغاية ما يقتضي البناء على تصديق نقله هو البناء على واقعية اعتقاده الذي هو المنقول، والاعتقاد في نفسه ليس حكما ولا ذا أثر شرعي. أما صحة اعتقاده ومطابقته للواقع فذلك