إذا عرفت ذلك ظهر لك أن الإجماع لا يستلزم القطع بقول المعصوم عدا الإجماع الدخولي وهو بالنسبة إلينا غير عملي.
وأما القول بأن " قاعدة اللطف " تقتضي أن يكون الإمام موافقا لرأي المجمعين وإن استند المجمعون إلى خبر الواحد الذي ربما لا تثبت لنا حجيته من جهة السند أو الدلالة لو اطلعنا عليه، فإننا لم نتحقق جريان هذه القاعدة في المقام وفاقا لما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاري (1) وغيره بالرغم من تعويل الشيخ الطوسي وأتباعه عليها، لأن السبب الذي يدعو إلى اختفاء الإمام واحتجاب نفعه - مع ما فيه من تفويت لأعظم المصالح النوعية للبشر - هو نفسه قد يدعو إلى احتجاب حكم الله عند إجماع العلماء على حكم مخالف للواقع، لا سيما إذا كان الإجماع من أهل عصر واحد. ولا يلزم من ذلك إخلال الإمام بالواجب عليه وهو تبليغ الأحكام، لأن الاحتجاب ليس من سببه.
وعلى هذا فمن أين يحصل لنا القطع بأنه لابد للإمام من إظهار الحق في حال غيبته عند حصول إجماع مخالف للواقع؟
وللمشكك أن يزيد على ذلك فيقول: لماذا لا تقتضي هذه القاعدة أن يظهر الإمام الحق حتى في صورة الخلاف، لا سيما أن بعض المسائل الخلافية قد يقع فيها أكثر الناس في مخالفة الواقع؟ بل لو أحصينا المسائل الخلافية في الفقه التي هي الأكثر من مسائله لوجدنا أن كثيرا من الناس لا محالة واقعون في مخالفة الواقع، فلماذا لا يجب على الإمام هنا تبليغ الأحكام ليقل الخلاف أو ينعدم، وبه نجاة المؤمنين من الوقوع في مخالفة الواقع.