اللغة، هذا.
وأما المتعهد الأول فلا سبيل إلى تعيينه على سبيل القطع، وما تشبث به أرباب الأقوال السابقة، فهي وجوه ضعيفة، وتخرصات واهية، غير أنا نقول: من الواضح الذي ينبغي أن يقطع عليه أنه ليس لكل واحدة من اللغات المعروفة واضع شخصي قد تصدى الوضع لكل واحدة واحدة من مفرداتها، ولا جماعة قد تعاقدوا واجتمعوا لذلك، بل الذي يشهد به الاعتبار، ويدل عليه تتبع اللغات، ومقايسة مفردات بعضها ببعض، أن جميعها مأخوذ من أصول قليلة قديمة قد خالفت أصولها، واختلفت ما فيها، لاختلاف المتكلمين بها بحسب اختلاف بلادها وأزمنتها وغيرهما حتى قلت المشابهة بين كثير منها، بل عزت بين بعضها وبعض، ولكن قد بقي إلى اليوم ما يشهد بصحة ما قلناه، هذه اللغة المباركة العربية إذا قست بين مفرداتها وبين مفردات اللغة العبرية رأيت بينهما من المشابهة الكلية ما تصدق قول بعض الأدباء: إن الفرق بين اللغتين (1) كالفرق بين اللفظين.
وكذلك شباهتها بالسريانية، حتى قال عبد الملك بن حبيب: إنها عربية محرفة، وإنك ترى اليوم اختلاف المتكلمين بلغة واحدة كالفارسية - مثلا - فيها حتى يكاد أن لا يفهم أهل صقع من بلادها لسان أهل صقع آخر، بل هذا الاختلاف يشاهد كثيرا بين بلد (2) واحد، وقراه المتصلة به.
ثم إن المخالطة بين القبائل، وفتح (3) بعضها بلاد بعض أوجب اختلاط فروع الأصول المختلفة، ولذلك ترى اليوم في اللغة الفارسية من الألفاظ العربية ما