يغري السامع بالجهل، ويوهمه أن قد استعمل الألفاظ في معانيها لا أنه يستعملها فيها وما كان يزيد في بيان ذلك، على أن الوضع من أفعال العقلاء، وأغراضهم لا تتعلق إلا ببيان الواقعيات فالكذب خلاف حكمة الوضع فلا يصدر من الواضع.
وهذا منه من الغرابة بمكان، بل هو - فيما أرى - نقض لما شيده في الوضع من محكم البنيان، إذ عرفت أن كل متكلم بلغة واضع حقيقة، ولا خصوصية للواضع الأول إلا المتبوعية، والاختراع والتكلم باللغات لا يختص بالعقلاء.
وأيضا الكذب من الأغراض العقلائية، والعقل بالمعنى (1) الذي يدعو إلى الوضع وأمثاله لا يمنع عن الكذب، بل قد يدعو إليه والعاقل لا يتحاشى عن الكذب إلا برادع أخلاقي أو شرعي كما يتحاشى عن سائر المحارم.
وبالجملة لا معنى للاستعمال - كما عرفت - سوى إرادة إفهام السامع معنى من المعاني بدواع وأغراض تدعوه إلى ذلك، واختلاف الأغراض في الحسن والقبح والحلية والحرمة لا يوجب الاختلاف في الاستعمال.
ومنها: أن بعض الأساتيذ (2) ذكر في كتابه:
«أن حقيقة الاستعمال ليست مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى بل جعله وجها وعنوانا له، بل بوجه نفسه كأنه الملقى، فلذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى» (3) إلى آخره.
وبنى عليه عدم جواز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد، وصرح بجواز جعله علامة لمعان كثيرة.
أقول: من الواضح لدى من أتقن معرفة ما ذكرناه سابقا، أن لا معنى