يقصد، من وقوع المقصود من غير أن يكون الداعي إليه عنوان الحرام؟ وأما ما أورده على نفسه من تعدد العقاب فهو في مسألة التجري ساقط من أصله، على أصله أعني عدم اختيارية الفعل الذي لأجله قصر العقاب على القصد، ومع الغض عنه فما ذكره في الجواب لا يقوم بعبء دفعه.
وقياسه بشرب الكأس من الخمر والجرعة منها، قياس مع الفارق، لأن القصد يباين الفعل بحسب الذات والمحل والرتبة، إذ القصد من قبيل الإرادة، وموطنه القلب، وهو متقدم على الفعل الذي هو حركة الأعضاء في الخارج تقدم العلة على المعلول، وأين هذا من الفعل الواحد المستمر؟ فكيف لا توجب هذه الفروق الظاهرة تعدد المظهر ويوجبه مجرد الفصل بين الجرعات؟ فلا مناص له إلا الالتزام بتعدد العقاب، أو جعله على أحدهما، أو الإذعان بمذهب صاحب الفصول من تداخل العقابين (1)، وهو أهون الثلاثة، على شدة إنكاره له.
ثم إن ما أرسله إرسال الأصول الموضوعة من مساواة شرب قدح من الخمر مع جرعة منها، ينبغي أن يكون المراد مساواتهما في عدم صدق التعدد، وما يترتب عليه من الآثار فقط، إذ المفسدة في الفرد الطويل أكثر فالنهي آكد، فالاستحقاق أشد، إذ غصب الدار ساعة واحدة لا يساوي غصبها سنة مستمرة، بل غصبها أضعاف الساعة متفرقا لا يساوي نصف السنة، وكذا الحال في التجري، وشتان بين مشتغل به طول النهار وبين مشغول به بعض ساعة منه، والوصل والفصل وإن أوجبا صدق الوحدة والتعدد عرفا فحاشا أن يوجبا اختلافا في حكم العقل، وإذن لا يبقى إلا التعبير في أحدهما بتعدد العقاب، وفي الآخر بأشديته، والمعاني لا تختلف باختلاف الألفاظ.
واعلم أن التجري لا يختص بالقطع التفصيلي، بل يجري حكمه في العلم