ففارقت معاهد أنسي ولذاتي، ومواطن إخواني ولداتي، وسرت (1) عام (1333) إلى بلاد الأمن والإيمان، أعني بلاد إيران، وألقيت عصا التسيار في سيدة أمصارها، ضرة رياض الجنان: أصفهان.
فهناك أحاطت بي أفاضل حملة العلم وطلابه إحاطة الهالة (2) بالقمر المنير، وحاموا حولي كما يحوم الصادي (3) حول العذب النمير، وكثيرا ما كنت أكتب ما أقرره لهم من مسائل أصول الفقه بعد الفراغ من التدريس، في قطع متفرقة من أسحية القراطيس، من غير أن أفصل شذورها في ضمن فصول وأبواب، لأني لم أقصد به تأليف رسالة في ذلك الفن، ولا تصنيف كتاب، ولكن بعض الأفاضل (4) من الأصحاب عرف قدرها، فجمع شملها، ثم عرضها علي، وحثني على إعادة النظر فيها، وتهذيبها، وطلب مني ترتيبها، وتبويبها، فأجبته إلى ذلك خوفا على تلك الأعلاق النفسية من الضياع، وطمعا في أن يعم بها الانتفاع.
فهاك أيها الطالب لحقائق هذا الفن، ولباب هذا العلم، وما كنت تبتغيه، وأرجو أن يكون - إن شاء الله - كما ترتضيه، فقد مخضت لك الرغوة عن الصريح، وميزت السقيم من الصحيح، وفرقت بين الدر والمخشلب (5)، وأخلصت