وأما اعتبار كونه معنى حقيقيا فلأنا نقول: المجازية عبارة عن استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة، وذلك لا يتصور إلا بعد تعيين ما وضع له، فإذا لم يعلم كون المسلوب معنى حقيقيا أو مما وضع له اللفظ، فكيف يقال: إن المسلوب منه معنى مجازي له. ولا ريب أن مطلق السلب لا يدل على كون المسلوب معنى حقيقيا إلى آخر كلامه (رحمه الله).
فرجع البحث إلى صحة دعوى اعتبار الأمرين وسقمها.
فنقول: أما معرفة كون المسلوب معنى حقيقيا للفظ فمما لا ينبغي التأمل في اعتباره لكل من العلامتين، وهو الباعث على ما قدمناه في تفسيريهما من أخذ المسمى الوضعي والمفهوم العرفي، لكن لا لما علله من أن استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة لا يتصور إلا مع تلك المعرفة، بل لأنه لولاها لم يمكن العلم بمجازية المسلوب عنه بواسطة صحة السلب ولا بحقيقيته بواسطة عدمها، إذ مع احتمال كون المسلوب هو اللفظ باعتبار معنى مجازي له، يتطرق إلى علامة المجاز احتمال كون المسلوب منه هو المعنى الحقيقي، وإلى علامة الحقيقة احتمال كونه المعنى المجازي المتحد مع المسلوب، غير أنه لا يعتبر في إحراز ذلك الشرط سبق تلك المعرفة، بل يكفي حصولها من حين النظر في العلامتين، وطريقها: كون اللفظ المأخوذ في محمول السالبة على أحد الوجوه الثلاث، من تجرده عن القرائن، أو اقترانه بما لا يلتفت إليه، أو كون الالتفات لا لجهة الصرف، وستقف بعيد ذلك على تمام هذا الكلام.
وأما معرفة تعيين ذلك المعنى المسلوب بعد معرفة كونه حقيقيا فمما ينبغي القطع بعدم اعتباره لاستلزامه الدور الغير المندفع، حتى مع ملاحظة الإضافة والنسبة، وكأن توهم من توهم لزومه إنما نشأ عن توهم اعتبار تلك المعرفة، ولا يلزم من عدم اعتبارها اختلال فيما هو الغرض الأصلي من وضع العلامتين.
ودعوى: عدم ظهور ثمرة للجاهل بدونها، مع أنها لا تتمشى في علامة الحقيقة، لوضوح أنه إذا علم بعدم صحة سلب اللفظ باعتبار معناه الحقيقي