لينفع في مقام لم يحصل شيء من الطرق المذكورة، فإذا أخذ ذلك علامة للحقيقة لزم منه أن يؤخذ خلافه علامة للمجاز، فلا اعتراض عليهم.
وبالتأمل فيما قررناه من قاعدة الحمل يندفع ثاني الإشكالين أيضا، فإن السالبة في كل من صحة السلب وعدمها إذا أخذت على الوجه الأول أفادت سلب الوصف عن المستعمل فيه، نظرا إلى أن الإيجاب والسلب يتوجهان إلى القيد الأخير، فإن صح ذلك السلب علم عدم كون المستعمل فيه مسمى اللفظ، وإلا علم كونه مسماه وهذا معنى كونهما علامتين.
غاية الأمر أنه على الأول يستلزم الانتقال إلى عدم تبادره عند الإطلاق.
وعلى الثاني يستلزم الانتقال إلى تبادره، وهذا غير قادح في كونهما برأسهما علامتين، بل علامات الحقيقة والمجاز كلها أمور متلازمة، وإنما تتمايز بالحيثيات فلابد من اعتبار الحيثية، وإلا فتنصيص أهل اللسان مثلا إذا أفاد العلم بوضع لفظ لمعنى يستلزم كون ذلك المعنى متبادرا عند الإطلاق.
كما يندفع به ما قد يقال: - على طرد عدم صحة السلب - من أنه لا يصح سلب جزء الشئ أو لازمه في مثل " الإنسان ليس بناطق، أو ضاحك " مع عدم كون اللفظ فيهما حقيقة في ذلك الشئ.
فإن السلب في تلك القضية إن أخذ على الوجه الأول فلا ينبغي التأمل في صحته، ضرورة انتفاء وصف معنى " الناطق " و " الضاحك " عن معنى الإنسان.
وإن أخذ على الوجه الثاني، فهو وإن لم يكن صحيحا غير أنه لا يصلح نقضا لعدم صحة السلب الذي هو في نحو المثال لابد وأن يؤخذ على الوجه الأول، كما يظهر به أيضا وجه الملازمة بين العلامتين وذيهما، فإنها بعد ملاحظة ما ذكر معلومة بالوجدان، ضرورة أن صحة سلب معنى اللفظ باعتبار وصفه مما يوجب الانتقال إلى انتفاء ذلك الوصف عن المسلوب عنه، وهذا معنى كونه مجازا فيه، كما أن عدم صحة سلبه بهذا الاعتبار يوجب الانتقال إلى ثبوت الوصف للمسلوب عنه، وهذا معنى كونه حقيقة فيه، كما أن صحة سلب اللفظ باعتبار نفس مفهومه