غاية الأمر أن يلاحظ مع نفس المعنى ما يتعين به كونه معنى حقيقيا في الواقع حتى لا يحتمل بحسب الواقع أن يكون المحكوم بعدم صحة سلبه غير ذلك، وذلك كأن يعتبر فيما يحكم بعدم صحة سلبه أن يكون هو المعنى المفهوم منه حال الإطلاق، إذ ليس ذلك إلا معناه الموضوع له بحسب الواقع وإن لم يلاحظ بعنوان أ نه الموضوع له، فلا دور بالتقرير المذكور.
وملخصه: إن المتوقف على العلم بعدم صحة السلب، إنما هو وصف المعنى الحقيقي الذي هو المستعمل فيه، والذي يتوقف عليه العلم بعدم صحة السلب إنما هو ذات المعنى. نعم، يشترط في المعنى المسلوب كونه مفهوما من اللفظ حال الإطلاق.
ويضعفه: أن عدم صحة سلب مفهوم اللفظ حال الإطلاق عن المستعمل فيه لا يعلم إلا بعد العلم بكونه مفهوما من اللفظ حال الإطلاق، ولا معنى له إلا العلم به بعنوان أنه الموضوع له، فالدور بحاله على ما هو مفاد ظاهر العبارة.
ومن الأعلام من دفع الدور بوجهين:
أحدهما: أن المراد بكون صحة السلب علامة للمجاز، أن صحة سلب كل واحد من المعاني الحقيقية عن المعنى المبحوث عنه علامة لمجازيته بالنسبة إلى ذلك المعنى المسلوب، فإن كان المسلوب الحقيقي واحدا في نفس الأمر فيكون ذلك المبحوث عنه مجازا مطلقا، وإن تعدد فيكون مجازا بالنسبة إلى ما علم سلبه عنه لا مطلقا، فإنه إذا استعمل " العين " بمعنى " النابعة " في " الباصرة الباكية " بعلاقة جريان الماء فيصح سلب " النابعة " عنها، ويكون ذلك علامة كون " الباكية " معنى مجازيا بالنسبة إلى " العين " بمعنى النابعة، وإن كانت حقيقة في " الباكية " أيضا بوضع آخر.
ومنه يظهر حال عدم صحة السلب بالنسبة إلى المعنى الحقيقي، فإن المراد عدم صحة سلب المعنى الحقيقي في الجملة، فيقال: إنه علامة لكون ما لا يصح سلب المعنى الحقيقي عنه معنى حقيقيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه