الثاني: إن عدم صحة السلب، كثيرا ما يثبت به ما يتردد بين كونه نفس مسمى اللفظ الموضوع له، أو فردا من مسماه، بناء على صلوحه لأن يثبت به تارة كون المسلوب عنه نفس ما وضع له اللفظ، وأخرى كونه من أفراده، وهل هنا أصل وميزان يقتضي الخروج عن الشبهة من هذه الجهة أو لا؟
فقد يقال: بأن هنا ميزانا وهو الرجوع إلى صحة السلب، فإن صح السلب عنه مع اعتبار الخصوصية يتبين كونه فردا، لوضوح صحة سلب الكلي عن الفرد الملحوظ بقيد الخصوصية، وإلا يتبين كونه نفس المسمى الحقيقي، وفي إطلاقه من الضعف ما لا يخفى، بل دعوى صحة سلب الكلي عن الفرد الملحوظ بقيد الخصوصية مطلقا من أوضح المفاسد.
فإن السلب في الحمليات يتبع الإيجاب ولا ريب أن الحمل في طرف الإيجاب يقتضي الاتحاد على معنى كون المحمول متحد الوجود مع الموضوع، ومعناه: إن المحمول في ضمن الموضوع ليس له وجودا آخر ممتاز عن وجود الموضوع بل موجود بعين وجوده، فإن كان الاتحاد بهذا المعنى صدقا ومطابقا للواقع لزمه أن لا يصح سلبه، وإن أخذ مع الموضوع في الإيجاب ألف خصوصية، وإن لم يكن صدقا لزمه أن يصح سلبه، وإن جرد الموضوع عن جميع الخصوصيات، بل تجريد الموضوع بملاحظة قاعدتهم " إن موضوع القضية لابد وأن يؤخذ باعتبار المصداق ومحمولها باعتبار المفهوم " عن الخصوصية بالمرة غير معقول، فلو كان أخذ الخصوصية حينئذ موجبا لصحة سلب الكلي عنه، لزم عدم صدق القضية في الإيجاب في شيء من الحمليات المتعارفة وهو كما ترى.
ولعل الاشتباه نشأ عما يذكرونه من الفرق بين استعمال الكلي في الفرد المفروض في أخذ الفرد بقيد الخصوصية، وإطلاق الكلي على الفرد المفروض في تجريده عن ملاحظة الخصوصية، بكون الأول مجازا والثاني حقيقة وهو كما ترى، لوضوح الفرق بين الاستعمال في الفرد أو الإطلاق على الفرد، وبين حمل الكلي على الفرد، ولا يقاس أحدهما على الآخر.