فتبين بما قررناه أن ضابط موضوع المسألة بمقتضى ظاهر كلماتهم كل مشتق اسمي وصفي لم يكن مبدأ اشتقاقه لفظا تاما.
الثالث: قد يقال: ليس في المسألة أصل يرجع إليه في الموارد المشتبهة، أو على تقدير بقاء الشبهة، لرجوع الشك فيها إلى الحادث من جهة دوران الموضوع له بعد اليقين بحدوث الوضع بين المتبائنين، وهما المتلبسة بالمبدأ والمتصفة بالمبدأ الموجود، فإنهما وإن كانا من قبيل الفرد والكلي، إلا أنهما بحسب الذهن مفهومان متغايران، وإن كانا قد يتحدان بحسب الخارج، والمعتبر في باب الأوضاع مفاهيم الأشياء لا وجوداتها الخارجية، فيكون المقام من قبيل دوران " الصعيد " بين وجه الأرض والتراب، وكما لا يمكن فيه أن يقال: إن الأصل عدم كون " الصعيد " موضوعا لوجه الأرض، ولا إن الأصل عدم كونه موضوعا للتراب، فكذلك فيما نحن فيه.
نعم ربما يجري فيه - كنظائره - الأصل في نفي الآثار المترتبة على الحقيقة والموضوع له، فيما لو قال الشارع: " يجوز التيمم على الصعيد " و " يكره البول تحت الأشجار المثمرة " فإن القدر المتيقن من مورد الحكم هو المفهوم الخاص، لأنه إما نفس الحقيقة أو فرد منه، وما عداه موضع شك فينفى الحكم عنه بالأصل، لأصالة عدم تعلقه بالزائد، غير أنه لا يجدي فيما نحن بصدد تأسيسه من الأصل الرافع للشبهة الحاصلة في حال اللفظ من حيث هو.
أقول: ويمكن الذب عنه بفرض جريان الأصل في نحو ما نحن فيه من دون محذور، فإن الوضع المردد بين الكلي والفرد قد يستلزم في لحاظ الواضع ملاحظة الماهية الكلية على كلا تقديري تعلقه بالكلي أو بالفرد، على وجه يرجع الشك إلى ملاحظة الزيادة الموجبة لفردية الفرد واعتبارها مع الماهية الملحوظة في متن الوضع، كما في " الغناء " المردد بين كونه لترجيع الصوت أو له مع الطرب، فإن ترجيع الصوت ملحوظ على كل تقدير، ونحوه صيغة الأمر المرددة بين كونه لطلب الماهية أو له مع قيد المرة أو التكرار أو الفور أو التراخي، وقد لا يستلزم ملاحظتها