ومما يفصح عن ذلك أيضا ما في كلامهم من التصريح بالفرق بينها وبين العبادات، من كون العبادات توقيفية متوقفة على بيان الشارع، فلا يصح فيها مراجعة عرف ولا لغة، بخلاف المعاملات، ولعلهم مطبقون على ذلك، بل هو كذلك كما يكشف عنه سيرتهم وإجماعهم العملي، حيث إنهم قديما وحديثا من العامة والخاصة لا يزالون في تصحيح معاملة من المعاملات في جميع أبوابها المنضبطة في الكتب الفقهية يتمسكون بالعمومات أو الإطلاقات الواردة فيها، أجناسا وأنواعا وأصنافا، كتابا وسنة من غير نكير، مع ابتنائه في الكل لإحراز الموضوع على اعتبار صدق الاسم وتحقق الماهية بمراجعة العرف مطلقا، ولا يستقيم شيء من ذلك إلا بعزل الشارع عن التصرف فيها اختراعا وتسمية، ولا ينافيه ما تحقق منه فيها من إمضائه إياها في بعض مصاديقها باعتبار شروط دون أخر، لرجوعه إلى التخصيص في المعنى اللغوي العام، وإخراج فاقد الشروط عنه إخراجا حكميا لا موضوعيا كما لا يخفى.
وأيضا فإن عقد هذا البحث إن كان لإحراز موضوعي البراءة والاشتغال فالمعاملات بمعزل عن ذلك، لاختصاص جريان الأصلين بموارد التكليف، وهي التي مبنى مشروعيتها على الأمر الإلزامي، وإن كان لإحراز موضوعي البيان والإجمال، فيلزم على القول بالصحيحة فيها كونها مجملة متوقفة على بيان الشارع وقد اتضح بطلانه.
وقد يستشم عن بعض العبارات جريان النزاع فيها أيضا، بل جزم به بعض الأعلام (1) مستظهرا له من عبارات جماعة من أساطين فقهائنا، كالمحقق في الشرائع وأول الشهيدين في القواعد، وثانيهما في المسالك.
قال في القواعد: الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا تطلق على الفاسدة إلا الحج، لوجوب المضي فيه، فلو حلف على ترك الصلاة أو الصوم