وبهذا الوجه يندفع ما لو عساه يقال - تفصيا عن محذور ما ذكرناه في الوجه الثاني -: من أن نقل التعين يفرض مسبوقا بالاستعمالات المتحققة في عرف زمن الشرع مجازا على الوجه المفروض في الصورة الثالثة مما تقدم، المحتمل في مقالة القاضي المدعى للتقييد بدعوى ما تقدم من أنه لم يظهر منه إنكار هذه النحو من المجاز، لا على الوجه الذي هو المتنازع فيه، فإن ذلك لا ينتج ثبوت النقل على الوجه الثابت بالفرض في عرف المتشرعة كما لا يخفى.
الثاني: احتفاف كثير من تلك الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة - بل أكثرها - بما يقضي من القرائن اللفظية والاعتبارية قضاء واضحا بعدم إرادة المعاني اللغوية منها، ومن جملة ذلك الإقامة والإيتاء في قوله تعالى: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) المتكرر في كتابه العزيز، إذ لا ملائمة بينهما وبين الدعاء والنمو، وإن قيدا بالزوائد، فإنه لو قيل: يجب عليكم إقامة الدعاء وإعطاء النمو، ففيه من الركاكة والحزازة الموجبين لاستهجان العرف ما لا يخفى، بخلاف ما لو أريد منهما المعنى الشرعي ولو مجازا لعلاقة المشابهة في الأولى والسببية في الثانية، التفاتا إلى أن إعطاء القدر المخصوص من المال يوجب فيه نموا وزيادة.
وأيضا فإن كان مبنى إطلاق الحج في موارده التي منها قوله تعالى: ﴿لله على الناس حج البيت﴾ (1) على إرادة القصد المقيد بزوائد مخصوصة، لكان ينبغي إطلاقه على سائر العبادات أيضا لعموم هذا المعنى باعتبار المفهوم ووجوده فيها، ولم يعهد إلى الآن ورود نحو هذا الإطلاق في كتاب ولا سنة، وهذا مما يكشف عن إن هاهنا تخصيصا اعتبره الشارع في ذلك اللفظ، وهو إما تجوز به في المعنى الشرعي من حيث إنه عبادة مخصوصة ممتازة عما عداها، أو نقل له إليه، وعلى أي تقدير فهو بهذا الاعتبار غير صالح لأن يطلق على غير تلك العبادة.
وقد شاع بين المتأخرين دفع مقالة القاضي بصدق المصلي على الأخرس