الأول: إن الاعتراف بحدوث النقل المفروض في الأزمنة المتأخرة عن انقطاع الوحي، يؤول بالأخرة إلى الاعتراف بتحقق الاستعمالات المجازية في زمان الوحي، الواقعة على المعاني الشرعية المتداولة عند المتشرعة، وذلك لأن النقل الملتزم بحدوثه فيما بعد زمن الوحي لا يمكن فرض كونه من باب التعيين، إذ كما أن أصل النقل وتحققه في عرف المتشرعة معلوم بالضرورة، فكذلك عدم تعرض أحد منهم لنقل هذه الألفاظ بوضع التعيين معلوم ضرورة من عرفهم، ولم يدعه أحد على تقدير عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ولو ادعاه أحد نكذبه، وملاحظة كلام العلماء تعطي إطباقهم على خلافه، فلابد وأن يكون ذلك النقل حاصلا من باب التعين المسبب عن كثرة الاستعمالات المجازية.
ولا ريب ان هذه الاستعمالات المجازية ليست إلا المتحققة في عرف زمان الشارع، وقد تسرت وتعدت من هذا العرف إلى عرف المتشرعة إلى أن بلغت حدا أوجبت معه حدوث وضع التعين.
واحتمال حدوثها كأصل النقل مما بعد زمن الشرع في غاية البعد، بل مما ينبغي القطع ببطلانه، فإن مرجعه إلى دعوى أن طريقة الشارع وتابعيه ما دام زمن الوحي باقيا كانت مستقرة على أخذ الألفاظ في استعمالاتهم لمعانيها اللغوية مقيدة بالزوائد، فإذا انقضى زمان الشرع وانقطع الوحي بنى المتشرعة على تغيير الطريقة المستمرة من ابتداء الشرع إلى هذا الزمان، بأن يستعملوا الألفاظ في غير ما استعملها الشارع وتابعيه مجازا، فاستقرت عليه طريقتهم إلى أن اشتهرت الاستعمالات المجازية فوصلت حد وضع التعين.
وهذا كما ترى من جملة المضحكات التي لا يتفوه بها جاهل فضلا عن العلماء الأزكياء.
فإن قلت: إن سبق الاستعمالات المجازية على وضع التعين وإن كان من القضايا المشهورة، إلا أنه لا دليل على اعتباره في ماهية نقل التعين، فمن الجائز حينئذ أن يكون استعمالات هذه الألفاظ في عرف الشارع واردة على معانيها