ثم لا يذهب عليك أن النزاع الأول في غاية السخافة، وإنكار وقوع الاستعمال في لسان الشارع على المعاني الشرعية ولو مجازا في غاية السقوط.
ولعله لذا لم يتعرض الأكثرون لهذا النزاع، ولا أحد من السلف لدفع مقالة القاضي في إنكار أصل الاستعمال، فإنه لما ذكرنا نزل منزلة ما لا ينبغي أن ينازع فيه، ولا الالتفات إلى قول النافي.
لكنا نتكلم على هذا القول توضيحا لفساده، ليجدي الغافل القاصر عن إدراك وجه فساده.
فنقول: إن في المقالة المنسوبة إلى القاضي نوع إجمال، إذ لا يدري أنه بما نفاه من الاستعمال هل أراد ما يعم الاستعمال في عرف زمان الشارع والاستعمال في عرف المتشرعة، على معنى أن هذه الألفاظ لم تستعمل قط في عرف زمان الشارع في المعاني المحدثة الشرعية، ولا أنها مستعملة فيها في عرف المتشرعة، بل هي حيثما استعملت في الأول أو تستعمل في الثاني فإنما يقع استعمالاتها على المعاني اللغوية، أو أراد ما يختص بعرف زمان الشارع مع الاعتراف بكونها في عرف المتشرعة مستعملة في المعاني الشرعية بل منقولة إليها عندهم.
فإن أراد الأول، يدفعه: ما علم ضرورة من عرف المتشرعة من أنها في الاستعمالات الدائرة لديهم لا تقع إلا على المعاني الشرعية المعهودة عندهم، ولا يتبادر منها إلا هذه المعاني، بل المنصف إذا راجع وجدانه يجزم أنه لا يدرك أحد في تلك الاستعمالات شأئبة من المعاني اللغوية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الجزئية، بل معاني أكثر هذه الألفاظ مجهولة لأكثر المتشرعة، ولا سيما العوام والنسوان والصبيان منهم، على عكس المعاني الشرعية بالقياس إلى أهل اللغة، وكما أن هذه المعاني كانت مجهولة على أهل اللغة ولم يكونوا يعرفونها، فكذلك المعاني اللغوية لأكثر هذه الألفاظ بالقياس إلى أكثر المتشرعة، ومع ذلك فكيف يعقل وقوع استعمالاتهم الدائرة فيما بينهم على هذه المعاني.
وإن أراد الثاني، يدفعه: أمران: