يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ثم يبعث الله اللواقح فتلقح السحاب. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمهما الله، وقوله " وينزل من السماء من جبال فيما من برد " قال بعض النحاة " من " الأولى لابتداء الغاية والثانية للتبعيض والثالثة لبيان الجنس. وهذا إنما يجئ على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله " من جبال فيها من برد " معناه أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد، وأما من جعل الجبال ههنا كناية عن السحاب فإن من الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا لكنها بدل من الأولى والله أعلم وقوله تعالى " فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء " يحتمل أن يكون المراد بقوله " فيصيب به " أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والرد فيكون قوله " فيصيب به من يشاء " رحمة لهم " ويصرفه عمن يشاء " أي يؤخر عنهم الغيث ويحتمل أن يكون المراد بقوله " فيصيب به " أي بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم ويصرفه عمن يشاء رحمة بهم وقوله " يكاد سنا برقه يذهب بالابصار " أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الابصار إذا أتبعته وتراءته. وقوله تعالى " يقلب الليل والنهار " أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا والله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه " إن في ذلك لعبرة لاولى الابصار " أي لدليلا على عظمته تعالى كما قال تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الألباب " وما بعدها من الآيات الكريمات.
والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير (45) يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد " فمنهم من يمشي على بطنه " كالحية وما شاكلها " ومنهم من يمشي على رجلين " كالانسان والطير " ومنهم من يمشي على أربع " كالانعام وسائر الحيوانات ولهذا قال " يخلق الله ما يشاء " أي بقدرته لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولهذا قال " إن الله على كل شئ قدير ".
لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (46) يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والحكم والامثال البينة المحكمة كثيرا جدا وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهي ولهذا قال " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (47) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون (50) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (52) يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قولا بألسنتهم " آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك " أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون ولهذا قال تعالى