الصالحات فهم في روضة يحبرون (15) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون (16) يقول تعالى (الله يبدأ الخلق ثم يعيده) أي كما هو قادر على بداءته فهو قادر على إعادته (ثم إليه ترجعون) أي يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله. ثم قال (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) قال ابن عباس: ييأس المجرمون وقال مجاهد يفتضح المجرمون وفي رواية يكتئب المجرمون (ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء) أي ما شفعت فيهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى وكفروا بهم وخانوهم أحوج ما كانوا إليهم. ثم قال تعالى (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال قتادة هي والله الفرقة التي لا اجتماع بعدها يعني أنه إذا رفع هذا إلى عليين وخفض هذا إلى أسفل سافلين فذلك آخر العهد بينهما ولهذا قال تعالى (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) قال مجاهد وقتادة: ينعمون وقال يحيى بن أبي كثير يعني سماع الغناء. والحبرة أعم من هذا كله قال العجاج:
فالحمد لله الذي أعطى الحبر * موالى الحق إن المولى شكر فسبحن الله حين تمسون وحين تصبحون (17) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون (18) يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون (19) هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه وعند الصباح وهو إسفار النهار بضيائه. ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد فقال تعالى (وله الحمد في السماوات والأرض) أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض ثم قال تعالى (وعشيا وحين تظهرون) فالعشاء هو شدة الظلام والاظهار قوة الضياء فسبحان خالق هذا وهذا فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا كما قال تعالى (والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها) وقال تعالى (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى) وقال تعالى (والضحى والليل إذا سجى) والآيات في هذا كثيرة. وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا زياد بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ". وقال الطبراني حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد عن سعيد بن بشير عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون الآية بكمالها أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته " إسناد جيد (1) ورواه أبو داود في سننه وقوله تعالى (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة وهذه الآيات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها ليدل خلقه على كمال قدرته فمن ذلك إخراج النبات من الحب والحب من النبات والبيض من الدجاج والدجاج من البيض والانسان من النطفة والنطفة من الانسان والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وقوله تعالى (ويحيي الأرض بعد موتها) كقوله تعالى (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون - إلى قوله - وفجرنا فيها من العيون) وقال تعالى (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج - إلى قوله - وأن الله يبعث من في القبور) وقال تعالى (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا - إلى قوله - لعلكم تذكرون) ولهذا قال ههنا (وكذلك تخرجون).
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون (20) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا