يقول تعالى مخبرا عن أهل النفاق الذين كانوا يحلفون للرسول صلى الله عليه وسلم لئن أمرتهم بالخروج في الغزو ليخرجن، قال الله تعالى " قل لا تقسموا " أي لا تحلفوا، وقوله " طاعة معروفة " قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة أي قد علم طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه وكلما حلفتم كذبتم كما قال تعالى " يحلفون لكم لترضوا عنهم " الآية. وقال تعالى " اتخذوا أيمانهم جنة " الآية فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه كما قال تعالى " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون " وقيل المعنى في قوله " طاعة معروفة " أي ليكن أمركم طاعة معروفة أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف ولا أقسام فكونوا أنتم مثلهم " إن الله خبير بما تعلمون " أي هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه وإن راج على المخلوق فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى لا يروج عليه شئ من التدليس بل هو خبير بضمائر عباده وإن أظهروا خلافها ثم قال تعالى " قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله. وقوله تعالى " فإن تولوا " أي تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به " فإنما عليه ما حمل " أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة " وعليكم ما حملتم " أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه " وإن تطيعوه تهتدوا " وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم " صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض " الآية وقوله تعالى " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " كقوله تعالى " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " وقوله " فذكر إنما أنت مذكر. لست عليهم بمصيطر " قال وهب بن منبه أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء أن قم في بني إسرائيل فإني سأطلق لسانك بوحي فقام فقال: يا سماء اسمعي ويا أرض انصتي فإن الله يريد أن يقضي شأنا ويدبر أمرا هو منفذه إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة والآجام في الغيطان والأنهار في الصحاري والنعمة في الفقراء والملك في الرعاة ويريد أن يبعث أميا من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته ولو يمشي على القصب واليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه بشيرا ونذيرا لا يقول الخنى أفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وأسدده بكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وأسدده بكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته والعدل سيرته، والهدى إما مه، والاسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به من الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأعرف به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء مشتتة، وأستنفذ به فئاما من الناس عظيما من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به الرسل. رواه ابن أبي حاتم.
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55) هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم 7 وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وحكما فيهم وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض