أما الأولى فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم فإن للناس حاجات ولهم أشغال والله أولى بالعذر. وقال مقاتل بن حيان في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه ويقول حييت صباحا وحييت مساء وكان ذلك تحية القوم بينهم وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول قد دخلت ونحو ذلك فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله فغير الله ذلك كله في ستر وعفة وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر والدرن فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " الآية وهذا الذي قاله مقاتل حسن ولهذا قال تعالى " ذلكم خير لكم " يعني الاستئذان خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت " لعلكم تذكرون " وقوله تعالى " فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم " وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن " وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم " أي إذا ردوكم من الباب قبل الاذن أو بعده " فارجعوا هو أزكى لكم " أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر " والله بما تعلمون عليم " وقال قتادة: قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط " وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم " وقال سعيد بن جبير في الآية أي لا تقفوا على أبواب الناس. " وقوله تعالى " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونه " الآية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى. قال ابن جريج قال ابن عباس " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم " ثم نسخ واستثنى فقال تعالى " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونه فيها متاع لكم " وكذا روي عن عكرمة والحسن البصري وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الاسفار وبيوت مكة وغير ذلك واختار ذلك ابن جرير وحكاه عن جماعة والأول أظهر والله أعلم، وقال مالك عن زيد بن أسلم هي بيوت الشعر.
قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (30) هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. وكذا رواه الإمام أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد به ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه أيضا وقال الترمذي حسن صحيح، وفي رواية لبعضهم فقال " أطرق بصرك " يعنى انظر إلى الأرض، والصرف أعم فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى والله أعلم. وقال أبو داود حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن أبي ربيعة الأيادي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة " ورواه الترمذي من حديث شريك وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا يا رسول الله لا بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه ". قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ - قال: " غض البصر وكف الأذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر " وقال أبو القاسم البغوي حدثنا طالوت بن عباد حدثنا فضيل بن حسين سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة، إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا أؤتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم " وفي صحيح البخاري " من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه أكفل له الجنة " وقال عبد