قتادة أنهما فسرا هذه الآية بابتداء إيحاء الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى عليه الصلاة والسلام ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الآية.
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين (24) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون (25) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم (26) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم (27) يقول تعالى مقررا تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالإلهية أيضا فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض أي بما ينزل من المطر وينبت من الزرع إلا الله فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره وقوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل والآخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال بل واحد منا مصيب ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى ولهذا قال (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). قال قتادة قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن وإياكم على أمر واحد إن أحد الفريقين لمهتد وقال عكرمة وزياد بن أبي مريم معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين. وقوله تعالى (قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) معناه التبري منهم أي لستم منا ولا نحن منكم بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراد العبادة له فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا كما قال تعالى (فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون).
وقال عز وجل (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين). وقوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا) أي يوم القيامة يجمع بين الخلائق في صعيد واحد ثم يفتح بيننا بالحق أي يحكم بيننا بالعدل فيجزي كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية كما قال تعالى (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون * وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) ولهذا قال عز وجل (وهو الفتاح العليم) أي الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.
وقوله تبارك وتعالى: (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء) أي أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادا وصيرتموها له عدلا (كلا) أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل ولهذا قال تعالى: (بل هو الله) . أي الواحد الاحد الذي لا شريك له (العزيز الحكيم) أي ذو العزة الذي قد قهر بها كل شئ وغلبت كل شئ الحكيم في أفعاله وأقواله وشرعه وقدره تبارك وتعالى وتقدس عما يقولون علوا كبيرا والله أعلم.
وما أرسلنا إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (29) قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون (30) يقول تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم تسليما (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) أي إلا إلى جميع الخلائق من المكلفين كقوله تبارك وتعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (بشيرا ونذيرا) أي تبشر من أطاعك بالجنة وتنذر من عصاك بالنار (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) كقوله عز وجل (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) قال محمد بن كعب في قوله تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس) يعنى إلى