أعرضتم " وبأنه إذا مسه الشر وهو المصائب والحوادث والنوائب " كان يؤسا " أي قنط أن يعود يحصل له بعد ذلك خير كقوله تعالى " ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير " وقوله تعالى " قل كل يعمل على شاكلته " قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد: على حدته وطبيعته. وقال قتادة: على نيته. وقال ابن زيد: دينه وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى. وهذه الآية والله أعلم تهديد للمشركين ووعيد لهم كقوله تعالى " وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم " الآية. ولهذا قال " قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا " أي منا ومنكم وسيجزى كل عامل بعمله فإنه لا تخفي عليه خافية.
ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة وهو متوكئ على عسيب فمر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح: وقال بعضهم لا تسألوه. قال فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد ما الروح؟ فما زال متوكئا على العسيب قال فظننت أنه يوحى إليه فقال " ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " قال: فقال بعضهم لبعض قد قلنا لكم لا تسألوه. وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به ولفظ البخاري عند تفسيره هذه الآية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متوكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه على الروح فقال ما رابكم إليه وقال بعضهم لا يستقبلنكم بشئ فقال بعضهم لبعض سلوه على الروح فقال ما رابكم إليه وقال بعضهم لا يستقبلنكم بشئ تكرهونه. فقالوا سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " الآية وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه وهي هذه الآية " ويسئلونك عن الروح " ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة حدثنا يحيى بن زكريا عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت " ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال وأنزل الله " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر " الآية.
وقد روى ابن جرير عن محمد بن المثنى عن عبد الاعلى عن داود عن عكرمة قال سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله " ويسألونك عن الروح " الآية فقالوا تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " قال فنزلت " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر " الآية قال ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار فهو كثير طيب وهو في علم الله قليل.
وقال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار يهود وقالوا يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " أفعنيتنا أم عنيت قومك فقال " كلا قد عنيت " فقالوا إنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم " وأنزل الله " ولو أن ما