العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " وقال تعالى " ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الآية ولهذا قال تعالى ههنا " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه الذي اجترؤوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان، قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي: الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه وخالفوا أمره وارتكبوا نهيه. وقوله " وإن ربك لهو العزيز " أي الذي عز كل شي وقهره وغلبه " الرحيم " أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق:
العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره، وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين (10) قوم فرعون ألا يتقون (11) قال رب أني أخاف أن يكذبون (12) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون (13) ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون (14) قال كلا فاذهبا بآيتنا إنا معكم مستمعون (15) فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين (16) أن أرسل معنا بني إسرائيل (17) قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين (18) وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين (19) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين (20) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين (21) وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل (22) يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن، وكلمه ونا جاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى " أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون " هذه أعذار سأل من الله إزاحتها عنه كما قال في سورة طه " قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري - إلى قوله - قد أوتيت سؤلك يا موسى " وقوله تعالى " ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " أي بسبب قتل القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر " قال كلا " أي قال الله له لا تخف من شئ من ذلك كقوله " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا - أي برهانا - فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن أتبعكما الغالبون " فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون " كقوله " إنني معكما أسمع وأرى " أي إنني معكما بحفظي وكلائتي ونصري وتأييدي " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين " كقوله في الآية الأخرى " إنا رسولا ربك " أي كل منا أرسل إليك " أن أرسل معنا بني إسرائيل " أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون وهم معك في العذاب المهين، فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية ونظر إليه بعين الازدراء والغمص فقال " ألم نربك فينا وليدا " الآية أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا وأنعمنا عليه مدة من السنين ثم بعد هذا قابلت ذلك الاحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلا وجحدت نعمتنا عليك ولهذا قال " وأنت من الكافرين " أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير " قال فعلتها إذا " أي في تلك الحال " وأنا من الضالين " أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم " وأنا من الضالين " أي