قال تعالى (أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) أي سهلا هينا عنده.
يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يود لو أنهم بأدون في الاعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قتلوا إلا قليلا (20) وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخور والخوف (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) بل هم قريب منهم وإن لهم عودة إليهم (وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بأدون في الاعراب يسألون عن أنبائكم) أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم والله سبحانه وتعالى العالم بهم.
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما (22) هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) ثم قال تعالى مخبرا عن عباده المؤمنين المصدقين بوعود الله لهم وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة فقال تعالى (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة يعنون قوله تعالى في سورة البقرة (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب ولهذا قال تعالى (وصدق الله ورسوله). وقوله تعالى (وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) دليل على زيادة الايمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم كما قال جمهور الأئمة إنه يزيد وينقص وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة ومعنى قوله جلت عظمته (وما زادهم) أي ذلك الحال والضيق والشدة (إلا إيمانا) بالله (وتسليما) أي انقيادا لأوامره وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (23) ليجزى الله الصدقين بصدقهم ويعذب المنفقين ان شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما (24) لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الادبار وصف المؤمنين أنهم استمروا على العهد والميثاق و (صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه) قال بعضهم أجله وقال البخاري عهده وهو يرجع إلى الأول (ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) تفرد به البخاري دون مسلم وأخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي في التفسير من