(وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) الآية. وقوله تعالى (حسنت مستقرا أو مقاما) أي. حسنت منظرا وطابت مقيلا ومنزلا. ثم قال تعالى (قل ما يعبأ بكم ربي) أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه، فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا. قال مجاهد وعمرو بن شعيب (ما يعبأ بكم ربي) يقول ما يفعل بكم ربي، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (قال ما يعبأ بكم ربي) الآية يقول لولا إيمانكم وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الايمان كما حببه إلى المؤمنين وقوله تعالى (فقد كذبتم) أيها الكافرون (فسوف يكون لزاما) أي فسوف يكون تكذيبكم لزاما لكم يعني مفتضيا لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والآخرة ويدخل في ذلك يوم بدر كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم وقال الحسن البصري (فسوف يكون لزاما) أي يوم القيامة ولا منافاة بينهما. آخر تفسير سورة الفرقان ولله الحمد والمنة.
سورة الشعراء (ووقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتها سورة الجامعة) بسم الله الرحمن الرحيم طسم (1) تلك آيات الكتب المبين (2) لعلك بخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين (3) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (4) وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين (5) فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون (6) أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم (7) إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (8) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (9) أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول سورة البقرة. وقوله تعالى " تلك آيات الكتاب المبين " أي هذه آيات القرآن المبين أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل والغي والرشاد. وقوله تعالى " لعلك باخع " أي مهلك " نفسك " أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار كما قال تعالى " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " كقوله " فلعلك باخع نفسك على آثارهم " الآية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم " لعلك باخع نفسك " أي قاتل نفسك قال الشاعر: ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشئ نحته عن يديه المقادر ثم قال تعالى " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الايمان قهرا ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الايمان الاختياري، وقال تعالى " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا * أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " وقال تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمه واحدة " الآية فنفذ قدره ومضت حكمته وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم ثم قال تعالى " وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين " أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس كما قال تعالى " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وقال تعالى " يا حسرة على