(يا جبال أوبي معه) أي سيري معه بالنهار كله والتأويب سير النهار كله والإساد سير الليل كله وهذا لفظه وهو غريب جدا لم أره لغيره وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة لكنه بعيد في معنى الآية ههنا والصواب أن المعنى في قوله تعالى (أوبي معه) أي رجعي معه مسبحة كما تقدم والله أعلم وقوله تعالى: (وألنا له الحديد) قال الحسن البصري وقتادة والأعمش وغيرهم كان لا يحتاج أن يدخله نارا ولا يضربه بمطرقة بل كان يفتله بيده مثل الخيوط ولهذا قال تعالى: (أن اعمل سابغات) وهي الدروع قال قتادة وهو أول من عملها من الخلق وإنما كانت قبل ذلك صفائح وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا ابن سماعة حدثنا ابن ضمرة عن ابن شوذب قال: كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفين له ولآله وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري (وقدر في السرد) هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع قال مجاهد في قوله تعالى (وقدر في السرد) لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة ولا تغلظه فيقصمها واجعله بقدر وقال الحكم بن عيينة لا تغلظه فيقصم ولا تدقه فيقلق وهكذا روي عن قتادة وغير واحد وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السرد: هو حلق الحديد وقال بعضهم يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق واستشهد بقول الشاعر.
وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود عليه الصلاة والسلام من طريق إسحاق بن بشر وفيه كلام عن أبي إلياس عن وهب بن منبه ما مضمونه أن داود عليه السلام كان يخرج متنكرا فيسأل الركبان عنه وعن سيرته فلا يسأل أحدا إلا أثنى عليه خيرا في عبادته وسيرته وعدله عليه السلام قال وهب حتى بعث الله تعالى ملكا في صورة رجل فلقيه داود عليه الصلاة والسلام فسأله كما كان يسأل غيره فقال هو خير الناس لنفسه ولامته إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملا قال ما هي؟ قال يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين يعني بيت المال فعند ذلك نصب داود عليه السلام إلى ربه عز وجل في الدعاء أن يعلمه عملا بيده يستغني به ويغني به عياله فألان الله عز وجل له الحديد وعلمه صنعة الدروع فعمل الدروع وهو أول من عملها فقال الله تعالى: (أن اعمل سابغات وقدر في السرد) يعني مسامير الحلق قال وكان يعمل الدرع فإذا ارتفع من عمله درع باعها فتصدق بثلثها واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله وأمسك الثلث يتصدق به يوما بيوم إلى أن يعمل غيرها وقال إن الله تعالى أعطى داود شيئا لم يعطه غيره من حسن الصوت إنه كان إذا قرأ الزبور تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته عليه السلام وكان شديد الاجتهاد وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير وكان قد أعطي سبعين مزمارا في حلقه وقوله تعالى (واعملوا صالحا) أي في الذي أعطاكم الله تعالى من النعم (إني بما تعملون بصير) أي مراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم لا يخفى علي من ذلك شئ.
ولسليمان الريح غدوها شهرا ورواحها شهرا وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير (12) يعملون له ما يشاء من محاريب وتمثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليلا من عبادي الشكور (13) لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام من تسخير الريح له تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر قال الحسن البصري كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغدى بها ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل وبين دمشق واصطخر شهر كامل للمسرع وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع وقوله تعالى (وأسلنا له عين القطر) قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد القطر النحاس قال قتادة وكانت باليمن