المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم، وأن يكونوا في ذلك مطيعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي سالكين وراءه فيما به أمرهم، وترك ما عنه زجرهم، لعل الله يرحمهم بذلك، ولا شك أن من فعل هذا أن الله سيرحمه كما قال تعالى في الآية الأخرى " أولئك سيرحمهم الله ". " لا تحاسبن " أي لا تظن يا محمد أن " الذين كفروا " أي خالفوك وكذبوك " معجزين في الأرض " أي لا يعجزون الله بل الله قادر عليها وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ولهذا قال تعالى " ومأواهم " أي في الدار الآخرة " النار ولبئس المصير " أي بئس المآل مآل الكافرين، وبئس القرار وبئس المهاد.
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (58) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلكم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم (59) والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم (60) هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض، وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال (الأول) من قبل صلاة الغداة لان الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم " وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة " أي في وقت القيلولة لان الانسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله " ومن بعد صلاة العشاء " لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ولهذا قال " ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن " أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئا من غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك.
ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم ولهذا روى الامام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة " إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم أو والطوافات ". ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشئ وكان عمل الناس بها قليلا جدا أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن " يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم " إلى آخر الآية والآية التي في سورة النساء " وإذا حضر القسمة أولوا القربى " الآية، والآية التي في الحجرات " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وفي لفظ له أيضا من حديث إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف عن عمرو بن دينار عن عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس قال: غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات فلم يعملوا بهن " يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم " إلى آخر الآية. وروى أبو داود حدثنا ابن الصباح وابن سفيان وابن عبدة وهذا حديثه أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: لم يؤمن بها أكثر الناس آية الاذن وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي. قال أبو داود وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس يأمر به، وقال الثوري عن موسى بن أبي عائشة سألت الشعبي " ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم " قال: لم تنسخ قلت فإن الناس لا يعملون بها فقال: