سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " يقول عن الصلاة المكتوبة، وكذا قال مقاتل بن حيان والربيع بن أنس وقال السدي عن الصلاة في جماعة. وقال مقاتل بن حيان لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها. وقوله تعالى " يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار " أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والابصار أي من شدة الفزع وعظمة الأهوال كقوله " وأنذرهم يوم الآزفة " الآية وقوله " إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار " وقال تعالى " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوم عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " وقوله تعالى ههنا " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا " أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم وقوله " ويزيدهم من فضله " أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم كما قال تعالى " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " الآية وقال تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " الآية وقال " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " الآية وقال " والله يضاعف لمن يشاء " وقال ههنا " والله يرزق من يشاء بغير حساب " وعن ابن مسعود أنه جئ بلبن فعرضه على جلسائه واحدا واحدا فكلهم لم يشربه لأنه كان صائما فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطرا ثم تلا قوله " يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار " رواه النسائي وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه. وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون وهم قليل ثم يحاسب سائر الخلائق " وروى الطبراني من حديث بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله " قال أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.
والذين كفروا أعملهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفه حسابه والله سريع الحساب (39) أو كظلمات في بحر لجي يغشه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمت بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (40) هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين ناريا ومائيا وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة الرعد مثلين مائيا وناريا، وقد تكلمنا على كل منهما في موضعه بما أغنى عن إعادته ولله الحمد والمنة. فأما الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أنهم علي شئ من الأعمال والاعتقادات وليسوا في نفس الامر على شئ فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام، والقيعة جمع قاع كجار وجيرة، والقاع أيضا واحد القيعان كما يقال جار وجيران وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب، وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار وأما الآل فإنما يكون أول النهار يرى كأنه ماء بن السماء والأرض فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء يحسبه ماء قصده ليشرب منه فلما إنتهى إليه " لم يجده شيئا " فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئا بالكلية قد قبل إما لعدم الاخلاص أو لعدم سلوك الشرع كما قال تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " وقال ههنا " ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب " وهكذا روي عن أبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وقتادة